بعد أن ضاقت بها الحياة في منزل والدها الذي طالما اعتبرها عبئاً عليه في الحياة قررت أن تكون الزوجة الثانية لجارهم المحامي الذي يعمل في القاهرة منذ عدة سنوات وجاء لبلدته باحثاً عن عروس جديدة بعد أن أعجز المرض زوجته الأولي عن تلبية احتياجاته فوقع اختياره علي مديحة التي كانت قد حصلت علي شهادة الدبلوم الفني وجلست في المنزل تنتظر نصيبها حتي جاءها هذا الرجل فسارعت بالموافقة ظناً منها أنها ستكون أفضل حالاً من بقائها بمنزل والدها.
في محافظة المنيا كان مولد مديحة بإحدي قراها لأب موظف بسيط بالجمعية الزراعية لذا كان تعليمها وأشقائها الأربعة عبئاً بالغ الوصف علي كاهله فكان خروج البنين الثلاثة للعمل صيفاً وفي بعض الأحيان شتاءا لمساعدته في تدبير نفقات المنزل في حين تمكث هي وشقيقتها التي تصغرها بخمس سنوات لمتابعة شئون المنزل دون كلل أو ملل في تلبية أوامر والدتهما حتي حصلت مديحة علي شهادة الدبلوم بعد أن رفض والدها فكرة دخولها الثانوي العام رغم أن مجموعها كان يؤهلها لذلك وعندما ألحت في طلبها كان تهديده لها بحرمانها من التعليم فاضطرت مجبرة علي الموافقة علي الالتحاق بالتعليم الفني وهو ما تكرر معها بعد انتهائها من تعليمها حيث كانت من الأوائل ويمكنها استكمال تعليمها لكن نظرات الأب في هذا اليوم كانت كفيلة باخراسها.
رغم الفارق العمري بين مديحة والأستاذ عصام كما كان أبناء قريته ينادونه إلا أنه لم يتردد في طلب يديها بعد أن لمح في عيون والدها موافقة مبدئية عندما طرح أمامه فكرة رغبته في الزواج من أخري بعد إصابة زوجته بمرض السرطان وعجزها عن رعايته وصغيره الذي رزق به منها خاصة أنه ميسور الحال ويقيم بالقاهرة في شقة مساحتها كبيرة تسمح بإقامة الزوجتين بها معاً.
عرض عصام الأمر علي الأب الذي أسرع لمفاتحة ابنته في النعيم الذي يناديها وعندما أبدت علامات الدهشة لمعرفتها بأن الرجل متزوج جاءت كلمات الأب لتخرسها كالعادة حيث إن الرجل لا يعيبه إلا جيبه علاوة علي أن زوجته علي مشارف النهاية فقد أصيبت بمرض ليس منه شفاء كما تعلم.
بعد كلمات الأب أدركت مديحة أن عصام سيكون ألطف بها حالاً من والدها فوافقت علي الزواج منه إلا أنه رفض إقامة عرس لها حرصاً علي مشاعر أهل زوجته الأولي التي كانت من نفس البلدة فعقد قرانه عليها وأخذها وسافر للقاهرة وعقلها لا يتوقف عن رسم تفاصيل حياتها الجديدة.
منذ اليوم الأول لدخول مديحة منزل عصام أدركت أنها لن تكون سوي خادمة للزوجة الأولي وابنها حيث لمحت فارق المعاملة وأدركت في عيونه كلمات كثيرة لا تحمل إلا معني واحداً وهو أن عليها الصمت لأنها لن تجد معاملة أفضل من التي كانت تلاقيها من أسرتها التي قدمتها له رخيصة بدون أي اشتراطات.
حاولت مديحة الصبر علي حياتها ربما الزوجة الأولي تلاقي وجه ربها كما أوهموها بذلك لتوافق علي الزواج من عصام لكن يوماً بعد الآخر تتحسن حالتها وتزداد في سوء معاملتها للمسكينة التي لزمت الصمت كعادتها حتي النهاية حتي حدث مالم يمكن السكوت عليه.
في أحد الأيام وأثناء تنظيف مديحة لصالة الشقة كما أمرتها سيدة المنزل فوجئت بابنها يقوم بضربها بالحذاء بدون سبب وعندما نهرته علي ذلك فوجئت بثورة عارمة من الأم التي اتهمتها بسوء معاملة ابنها لدرجة أنه كاد أن يصاب بعقدة نفسية من سوء معاملتها وعندما روت لوالده ما بدر منه أجابها بأنه طفل ولا يؤخذ علي أفعاله.
لم تتوقف المفاجآت التي انهالت علي المسكينة عند هذا الحد حيث جاءها الزوج في أحد الأيام وأخبرها بالاستعداد للتوجه معه لأحد أطباء النساء والتوليد فظنت أنه يتوجس خيفة من أمر تأخر حملها وذهب ليطمئن عليها ورغم الخوف الذي أصابها من نتيجة الكشف الذي سيقوم به الطبيب من أن يكون لديها مانع يعيق حملها إلا أنها فرحت عندما ظنت أنه يريد أن يكون له أبناء منها.
وقعت كلمات الزوج كالصاعقة علي رأس مديحة عندما أبلغ الطبيب برغبته في تركيب وسيلة لمنع الحمل لعدم رغبته في الإنجاب لتتأكد ظنونها في أنها لم تكن غير خادمة أتي بها لخدمة زوجته وابنه وتعويض عجزها عن تلبية رغباته بين الحين والآخر فطلبت منه الطلاق إلا أنه رفض بشدة وازداد سوءاً في معاملته لها لكنها قررت ولأول مرة في حياتها ألا تصمت وتوجهت لمكتب تسوية منازعات الأسرة بالخليفة وأقامت دعوي لتطليقها من سيدها