نعم تلك الحقيقة الغائبة عن كثير من العقول التى تبحث عن السعادة
والاطمئنان فى حياتها، فسلاح الشيطان الواضح هو فى كلمته الخبيثة التى
يلقيها فى قلب وعقل المؤمن بشكل أقرب إلى الحقيقة، وما هى إلا وساوس يحاول
أن يقنع بها الشيطان الإنسان ليضله عن الطريق المستقيم، نصفها دون أن نراعى
فى حديثنا جمال الوصف والتعبير، ننسى الاستبشار بالله، والاطمئنان بمعيته
لنا فى كل أمورنا، ونكتفى بكونها حقيقة فحسب، فبدلاً من أن ترتقى الحقيقة
بنا فى إيماننا وعمرنا، تكون عقبة فى سبيل استكمال الحياة فى سعادة ورضا..
إليكم
المثال على ما أقول.. إذا ما كان فى الطريق حفرة تعثرت بها، ثم وجدت فى
آخر الطريق حفرة ثانية أكبر لم تكن لتراها لولا تعثرك فى الأولى، فبم تصف
ذلك الموقف؟ من الممكن أن تقول لماذا لم يقم ولى الأمر بواجبه فى تمهيد
الطريق، وبهذا تلوم الغير، وتنسى نفسك،
ومن الممكن أن تقول ما أغبانى
وأحقرنى كيف لم ألاحظ تلك الحفرة، ووقعت فيها بتلك السهولة، ومن الممكن أن
تقول الحمد لله الذى هدانى لهذا الموقف لأتعلم منه الحرص والحذر، والحمد
لله أن نجانى من الوقوع فى الحفرة الكبيرة، إننى بعد هذا الموقف أكثر علماً
وفهماً بهذا الطريق، ولسوف لا أهدأ حتى أصلح ذلك العيب فى الشارع، فمن
الممكن أن تقول أنا مهمل، ومن الممكن أن تقول إنها فرصة عظيمة لأتعلم الحرص
والهدوء والحذر..
كلتا الكلمتين وصفتا الحقيقة، ولكن الأولى آذت النفس
وحقرتها، والثانية سمت بالنفس وعلمتها، هذا هو الفرق بين الكلمة الطيبة
والكلمة الخبيثة، حتى وإن كانت الكلمة الخبيثة تصف موقفاً حقيقياً صادقاً،
ولكنها لا تراعى ما حثنا عليه ديننا الحنيف من جمال الوصف، والحكمة
الجميلة، والموعظة الحسنة، التى لا تحقر من صاحبها أو متلقيها..
وإذا
ما تعودنا على التصدق على أنفسنا بالكلمة الطيبة، سيكون من السهل بعد ذلك
التصدق بالكلمة الطيبة لكل من يحادثنا، ولسوف يحب الآخرون حديثنا، ولا يجد
الشيطان الوسيلة التى يهين إيماننا فيها، فإذا كانت الكلمة الطيبة للآخرين
صدقة فلم لا نتصدق على أنفسنا؟! وإذا كان تبسمنا فى وجه الآخرين صدقة فلم
لا نتصدق على أنفسنا؟! وإذا كان بإمكاننا أن نصف الحقيقة بلفظ خير فلم لا
نسكت عن الشر؟!